اتجه فهمي بسرعة بكرسيه المتحرك ناحية مجدي
ليساعده. جلس مجدي على الكرسي بعد أن رتبت ملابسه. نظر مجدي الى أم نجلاء وطلب كوب
ماء ثم قال بعد أن شرب:" كنا في مهمة خطيرة خلف خطوط العدو أثناءالحرب وطلب
منا ان نؤخر تقدم دبابات العدو , ولما أكتشف العدو أمرنا بعد أن نجحا في إعاقته ,أرسل
تعزيزاته الحربية ليدمرنا فلما رايت ذلك وكان الهجوم ضاري علينا من البر والجو
طلبت من القبادة مساندتنا فأرسلت ليلا سرية مظلات نجحت في الوصول الينا فجرا.
وكان العدو قد بدأ هجومه .وقد سقط منا شهداء
كثيرون، سقط وجرح منا من جرح.
وهاجم العدو هجوما ضاريا حتى يمنعنا من التمركزوالاستمرار
في اعاقته وكنت أتحرك مع بعض أفرادي من تبة الى تبة لمخايلة العدو وإيهامه بأن
عددنا كثير,ولكن العدو كان يهاجم بأعداد كبيرة من الدبابات والتي استطاعت أخيرا أن
تقتحم المكان وتقترب أكثر بالرغم من خسائرهم الكثيرة إلأأ أن الوصول الى هذه النقطة
معناه استمرار إمداد قوات العدو الى ما يحتاجه
كنا قد نجحنا في مهمتنا وطلب الآن أن نعود
باقل الخسائر .
ماذا نفعل؟ هل ننسحب ونترك أماكننا؟"
كان الصمت مسيطرا على الموقف والعيون محدقة
والاجسام ساكنة كأن على رؤوسها الطير.
قاطعه أخوه قائلا:"ولكنكم انسحبتم في
67"
قال مجدي في غيظ وضيق ناظرا الى أخيه نظرة
غضب وقال : " لم ننسحب ولكن طلب منا ان ننسحب!"
قالت ام نجلاء: " كمل يا خويا! ربنا
ينصركم"
أكمل مجدي : "رآنا العدو وتقدم بدباته
واصدرت اوامري حيث كنت قائد المجموعة ان نتفرق . وأصدرت اوامري كذلك الى المقدم ابراهيم
الذي كن مختبئا معي خلف التبة أن يبتعد عني, ولكنه أصر على البقاء معي ليحميني!
فقلت له :" لابد ان يبقى واحد منا على
قيد الحياة ليقود بقية المجموعة ال بر الامان! وبعدين الحامي هو الله وكان معانا
ناس عايشة وفي مكان ما يمكنش يتصور حد أنها تموت بس أهي ماتت ! وده قدر
ربنا!"
بلع اللواء مجدي ريقه وقال: "لكن المقدم
ابراهيم أصر أن يبقى بجواري,ورآنا أحد مشاة العدو فصوب مدفعه الرشاش ناحيتنا وكنت
ملتفتا الناحية الاخرى ورآه ابراهيم فدفعني أرضا وتلقلى الرصاصات في صدره بدلا مني
وصرخت في وجه هذا الندل برصاصات من بندقيتي الآلي التي كانت تصرخ في قلبه مباشرة :"
يا جبان يا حقير كيف تطاول أيها الجرذ وتناطح الليث! " والتفت الى المقدم
ابراهيم وكان يعالج الموت فقال لي مبتسما: "
قول لكل المصريين ان إحنا ما كناش جبنا ولا ضيعنا مصر ولا مصري واحد يققققد
ر ...ييييضيعها " قالها بصوت هزيل
قلت له وقد ضممته الى صدري باكيا بشدة :
" لا يا أبراهيم ! ها تعيش وتحضر فرح بنتك وفرح ابنك اللي لسه في بطن مراتك
وبعدين مش احنا اتجوزنا ست واحده!"
فتح ابراهيم عينيه على رغم من ألامه وقال :"إزاي
يافندم"
قلت له : " مصر!"
قلت له : " مصر!"
ضحك في وهن وقال لي: " لا يافندم! لأول
مرة ها عارضك في كلمتك لا مؤاخذة ! مصر دي أمنا كلنا يافندم!
ثم تأوه تأوها شديدا وقال بصوت مرتعش :
" يا فندم وصيتي هي أمي مصر ونفسك ,حافظ على مصر وحافظ على نفسك عشان واحد
منا لازم يعيش يحكي للناس مش عن بطولته عن بطولة الشغب بحاله!"
كان الخادم الذي أتى بالكراسي ليجلس عليها
الحضور قد شده الحديث فوقف يستمع ايضا على الرغم منه وكان قد نزل من عينيه دمعات.
أكمل مجدي حديثه وقلت له مبتسما: " لا
ما تكملشي كلامك انت ها تعيش ونسافر برة ونتجوز انا وانت خواجات زي ابن أخوك!"
ضحك وقال : " بنات برة ايه! المصرية وبس
فيها الحنية والأدب والدلال وأهم حاجة الدين!"
ثم شهق شهقة كبيرة فقلت له " ماتتكلمشي
أنا ها حاول انقلك برة المكان ده!"
قال لي : " خلاص يا فندم " بصوت
واهن ضعيف " مفيش وقت! "ونطق
الشهادة!"
بكت أم فهمي بكاءا شدشيدا مما أبكى بقية
الحاضرين وقالت : " الله يرحمه بطل وها يفضل بطل!"
فقمت صارخا برصاصتي وبصوتي ناحية العدو
مزمجرا بغضبة شدشيدة دون خوف من الموت ومن احتياطات الأمن اللي يجب على الفرد
المهاجم انه يعملها وتقدمت ناحيتهم بخطى تابتة حتى نفدت ذخيرتي فاتجهت الى ذلك
الندل المرمي زي الجيفة على الأرض بعد أن ضريته بالرصاص وافتكرت انه ميت واخذت
مدفعه الرشاش وبدأت في اطلاق النار ناحية افراد العدو وفجأة سقطت على ألأرض , فقد
أمسك الندل ده برجلي وتقدمت احدى دبابتهم ناحيتنا ووجهت مدفعها ناحيتيوظننت أني
هالك هالك! وفجاة سمعت إنفجارا شديدا وفرد ينزل من الدبابة ويصرخ الله أكبر ثم
أشرت الى جندي العدو الذي أمسك بقدمي فأطلق عليه رصاصات من بندقيته اللي خلا الجندي
الاسرائيلي بعد ما مات الى ترك قدمي ولكن دبابة اخرى كانت مصوبة مدفعها ناحيتي
فصرخت فيه مشيرا له ناحيتها وكان الموقف لا يحتمل خيارات اما أن يجري أو يحاول انه ينقذني بس دي فيها موته,فانطلق
الفهد ناحيتي بسرعة البرق مختارا الاختيار الثاني وحدفني بعيد إلا ان الدانة كانت
قد انطلقت فأصابت ساقي اللى ببترت بعدين في المستشفى أما هو فقد أيقنت أنه مات!"
ثم صمت وسأل سؤالا : " أتدرون من
هو؟"
اجابوا جميعا : "لا!"
قال :"هو الفهد اللي قدامكوا واالله أنا
ما عرف أسمه والا هو مين!"
اخذت أم فهمي بالبكاء وقالت " : والله
بطل من يومك يابني!"
بكى أبو فهمي وقال :"هو انتي كل حاجة
تعيطي عليها !"
بينما أسرع الحاضرون في الثناء على فهمي
ومباركته, وحينئذ استأذنت عائلة سامي وخرجت وهمت عائلة فهمي أن تستأذن فأخبروهم أن
يتريثوا!"
ثم اخبروهم أنهم معزومون على الغداء فضحكت أم
فهمي وقالت: " لا ياخونا انتوا بتاكلوا بالشوكة والسكينة وأنا ما ليش دعوة
بالكتاكيت " تقصد الايتكيت" بتاعكو ده!"
ضحك الجميع على خفة ظل أم فهمي.
ثم قال مجدي : " انت رتبتك إيه في الجيش؟
"
رد فهمي :" جندي مجند فهمي..."
رد فهمي :" جندي مجند فهمي..."
فقاطعه مجدي : "بسس بس انت عارف وانت
بتنقذني رتبتي إيه!"
قال له : "لا! أنا كنت بانقذ مصري يمكن
له رسالة يبني بيها مصر أحسن مني!"
هنا صفق مجدي تصفيقا بيديه شديدا وقال له : " والله لا
حضنك أنا ما جبتش ولاد بس انت تبقى ابني بعد إذن الحاج " وأشار الى أبي فهمي
الذي أسرع بالقول : " وااله ده شرف لينا يافندي!"
قال مجدي والحضور منصتون : "انت عارف
رتبتي أيه!"
رد عليه بصوت جهوري : " لا يا
أفندم!"
ضحك مجدي وقال: " بص يابني أنا وانت
سينبا الجيش من ساعة ما اتصابنا! بلاش بافندم دي أنا زي لا أنا ولدك مع احترامي
للحاج أنا رتيتي وقت الحرب كلنت عميد ودلوقتي بقيت لواء"
نسي فهمي نفسه وهم ان يؤدي التحية العسكرية
له الا أن أمه اسرعت ومنعته أن يقع على ألارض فضحك مجدي وقال: " شوفوا الواد لسه
فاكر نفسه في الجيش ! وبعدين إيه الحزن اللي باين على وشك ده! "
ثم نظر الى نجلاء وقال لها: " أيوه
يابنتي ! إيه اللي ضايقك أما شوفتي الواد اللي لسة ماشي من شوية ومين خطيبك أو
الراجل اللي كان متكلم عليكي وعاوزين تفلسعوه زي ما رجال العمال بيفلسعوا الموظفين
الكبار بعد ما ياخدوا خبرتهم!"
ردت أم نجلاء: " لا يا مجدي والله ما
كنا عاوزين نفلسعه!"
قال " بس انتوا لسه ما قلتوش مين هو
العريس ده! والا استنوا انا ها اقول لكم! هو ..! لا قولو انتو!"
قال ابو نجلاء : " هو البطل الي كنت
بتحكي عليه!"
نظر مجدي اليه وقال : " أخص عليك أخص
واخص عليكو انتو كمان !"
صمت الجميع وبانت الدهشة على وجوههم ثم أكمل:
"انت رايح تخطب من برة وسايب بنتي وبعدين انتوا لازم توفقوا ده بطل وله
مستقبل أحسن من الواد الحليوة الدلوعة اللي لسة ماشي وبعدين الارزاق بإيد الله زي
الاعمار بالظبط! وبعدين أنا لازم اقولك انت ليه شايل الحزن فوق راسك أنا بكرة ها
سافر برة واتعالج وانت بكرة ها يجيلك دور وتسافر برة برضة وها تشوف الخواجاات بس
مش ها تلاقي غزالة أحسن من بنتي دي نجلاء!"
أحمرت وجنتي نجلاء وقالتبصوت فيه دلال:
" ياعمو!"
قال مجدي : " والله لو انا مكانك وطلعت
من الدنيا بغزالة زي دي لكنت رقصت ومشيت ارقص طول عمري! ايه مشكلتك؟ هو الواحد
لازم يبعد عن النعمة علشان يعرف مقداره, " ُم أردف قائلا:" إحنا بنكون نادي للي زيينا وها ندرب فيه على
الاعمال الفنية ونطلع موا هبنا واللي عاوز يرقص يرقص واللي عاوز يعزف يعزف واللي
عاوز يكمل تعليمه ها نساعده يعني نادي للي زينا!"
ابتسم فهمي وقال : "بس انت عمي
أنت!"
قاطعه مجدي بابتسامة حنونة وقال: "وااله
ها قوم اضربك ! أنت قصدك اني أنا عجوز وانت لسه شباب طب يا أم نجلاء انا اتخانقت
ومراتي أول أمبارح على ايه!"
ضحكت أم نجلاء ضحكة صغيرة وقالت علشان كنت بتاعكس
بنت اللجيران!"
رد مسرعا : " حريم عقلهم صغير! دي بنوته
امورة جارتنا طلبت مني انها تركب معانا لغاية اخر الشارع صعبت علي وقلت للسواق
بتاعي يوصلها لغاية الكلية بتاعتها, ولما عرفت مراتي قام قيامتهاوخناقة كان اساس
الزعيق فيها :"انت عاوز تتجوز!"
ضحك أبو فهمي وقال : " أيوه عندك حق!"
رد مجدي : " قول لابنك االي عاوز يموتنا
بدري !" بينما نظرت أم فهمي اليه في غيظ
ثم ردت أم فهمي قائلة :" بعد الشر
عليك!"
قال مجدي : "شوف يا بني ! أنا دلوقتي لو
أمرتك بحاجة هاتعملها!"
قال فهمي :"أيوا يا فندم!"
ضحك مجدي وقال: " ييه! أدي أول حاجة
امرتك تبطلها ! بص لو أمرتك يعني تتجوز بنتي ها تقول ايه!"
صمت فهمي فرد عليه مجدي مسرعا :" ها
تقول ايوا!!"
ثم اكمل : "طب ولو قلت لك أتجوز الغزال
ده!"
ثم أردف مكملا : " عارف لو ما نطقتش أنا
ها أعمل فيك ايه!"
ثم أمره بصوت عال: "قول أيوا ياولد!"
قال فهمي مطيعا " أيوا"
قال : " طيب بعد الغدا نتفق على كل
حاجة!"
وتم الإتفلق على كل شيء على ان يعقد الفرح في
فندق راق في حي الزمالك على ان يتحمل نفقة الفرح عم العروس مجدي
وفي أثناء تجهيز العروس لفستان الزفاف حيث
بدت متانقة سعيدة تكاد تطير من الفرحة وزادها بياض الفستان حسنا على حسنها بينما
عندما علمت ام سامي قالت في حنق : "إيه اللي عاجبهم فيه لا مال ولا جمال
!"
رد عليها زوجها: " ده بطل لولاه بعد
الله لكنا موطين ف الارض حتى أخر الزمن!"
وفجأة دخلت الخادمة على العروس وأعطتها خطابا
قائلة واحد اداني الجواب ده وقالي اوصولهولك!
فتحته نجلاء وكان مكتوب فيه " عزيزتي
نجلاء ,أرسلت اليك هذا الخطاب لانبئك انني لن أستطيع تكملة الزواج منك ,حيث
مستقبلي محدود ولست مناسبا لمركزابيك ولست كفؤا لك ولا حسنك وأقسم بالله لو كنت في
كامل صحتي ونفستي مستقرة لكنت تزوجتك, فأرجو المعذرة ولا تتصلي بي في البيت فقد
سافرت الى الخارج!"
ألقت نجلاء بالرسالة على الارض ووقعت مغشيا
عليها!